سامي كلارك يرحل «من غير خصام»
“من غِير خْصام، يا قمر”.. هكذا شدا الفنّانُ اللبناني سامي كلارك، قبل 34 عامًا، بأغنيته التي راجت على الأقراص المضغوطة في كل مكان حول العالم العربي، وما وراءه، قبل أن توافيه المنيّةُ يوم أمسٍ الأحد.
في أحد أيام مايو/أيار الدافئة عامَ 1948، وعلى ارتفاعٍ يزيد عن 1200 متر عن سطح الأرض، وُلِد طفلٌ في ضهور قرية الشوير اللبنانية شمال غربيّ بيروت. كان ذلك الطفل “سامي حبيقة”، أو كما لقَّبَ نفسهُ فيما بعد؛ “سامي كلارك”. ولــ”كلارك” قصةٌ أخرى، ذلك أنهُ بعدما انخرط في الفنون، ذاعَ صيته وسَمِعَهُ من لا يَنطِقُ العربية؛ فرأى سامي أن يُبدّل “حبيقة”، صعبة النطق لغير العرب، إلى “كلارك”، ليمهّد طريقَ العالميّة.
نشأ سامي في ضهور الشوير وترعرع فيها. وعندما شَبَّ انتقل إلى بيروت ليلتحق بالجامعة اليسوعية ليَدرُسَ الحقوق، إلّا أنه غادر الجامعة دون أن ينال الدرجة المنشودة، وذلك بغرض الالتحاق بــ”مجال الفنون”، مطلعَ ستينيّات القرن الماضي. بدأ سامي مسيرتَهُ في الفرقة الموسيقية العسكرية؛ إلا أنه غادِرَها فيما بعد وتفرّغ لإنتاجه الفنيّ.
في البداية، اقتصَرَ سامي على غناء الأغاني الأجنبية، وساعَدَهُ في ذلك علاقته -وتعاونه- مع الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني والذي أوصلَ صوتَ سامي إلى آذانَ ومحافِلَ أجنبية. وفي الأخيرتيْن تحديدًا، أبدَعَ ونالَ جوائزَ مهرجاناتٍ كثيرة في كلٍ من ألمانيا وفرنسا واليونان والنمسا، واشتهرَ اسمهُ في الستينيّات والسبعينيّات بعد رائعته “موري موري” من ألحان إلياس الرحباني، كما غنّى “جوي آند بيس” و”تيل مي وات تو دو” وغيرها بالإنجليزية، كما غنّى بالفرنسية والروسية واليونانية والأرمنية والإيطالية والألمانية، ومزج بعضها بالعربية ببراعة. عادَ سامي في الثمانينيّات تقريبًا وغنّى بالعربيّة ولحّن فيها. وبلغَ صيتهُ بعيدًا مع غنائه لشارات كلٍ من “غرندايزر” و”جزيرة الكنز”، حيثُ باتت جزءًا من ذاكرة طفولة مواليد الثمانينيّات ومَن بعدهم. ورغمَ أنَّ الأجيال الأصغر قد لا تعرف عن سامي إلّا غناءَهُ لشاراتِ أنميات الطفولة، إلّا أن من هُم أكبر يعرفون تمام المعرفة كيفَ صَدَح ذلك الصوت الأوبرالي بأغانٍ عربيةٍ سقَطَ بعضها سهوًا من رفوف اليوتيوب وحَفِظَتهُ أقراص التسجيل عن ظهر قلب. فقد غنّى سامي أغانٍ كــ”قومي نترقص يا صبية” و”آه على هالأيام” و”أنا جاي من الأحزان”.
خلّد سامي كلارك شيئًا من التاريخ الفني عندما وَقَفَ على خشبة معرض الأنمي السعودي، عام 2019، مع مغنّي شارة “غرندايزر” اليابانية، إيساو ساساكي، وغنّيا سويًا الشارة ذات الألحان المتشابهة باللغتيْن.
مع بزوغ فجر يوم الأحد، 20 فبراير/شباط 2022، فارق سامي الحياة إِثر أزمةٍ قلبيةٍ ألمّت به، وبعد مناهضتهِ المرضَ منذ مدة. نعاه فنانون ومؤثرون ومسؤلون، منهم السفيرُ الياباني لدى لبنان والذي قدّم تعازيه الحارة “إلى عائلته الصغيرة والكبيرة”، والفنانة “إليسا” التي نعته عن طريق تغريدةٍ قالت فيها أن خسارة رمزٍ من رموز الفن اللبناني يُشعِرها بــ”خسارة جزء من لبنان الذي نحبه”، كما نعاه رئيسُ مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية، معالي المستشار تركي آل الشيخ، الذي ودَّعهُ وقال إنه كانَ على تواصلٍ معه لحضور “معرض الأنمي السعودي”، إحدى فعاليات موسم الرياض، كما فَعَل في نسخة الموسم الماضية عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، نعى مغنّي شارة “غرندايزر” اليابانية، إيساو ساساكي، الراحل واصفًا إياه بــ”المغني الشهير” الذي أدى شارات نهاية “غرندايزر” و”جزيرة الكنز” بالعربية، مُستذكرًا حفلهما المشترك في السعودية، ومتمنيًا له أن “يرقد بسلام” من “صميم” قلبه.
غنّى سامي كلارك مئات الأغاني التي تنوّعت في لُغاتها وفئاتها، إلّا إن واحدةً منها انفردت عن غيرها برِقّة مفرداتها ألا وهي رائعتُه “من غير خصام يا قمر”. ولعلّ مما انفرد به -أيضًا- سامي كلارك، مُسالَمَتُه الفائقة وانشغاله المُركَّز بالفنّ، في وسطٍ فنيٍ اشتهر بالعداوات والخوض في كل وادٍ، ولهذا السبب -وغيره- حظي الراحل بتقدير الجماهيرِ والزملاء على حدٍ سواء. وبعد 73 عامًا، نراهُ يُغادِرُنا نقيَّ السريرةِ بوجهٍ باسِم، و«من غير خصام».