أنمي ثيرابي — عواصم: أدلى رئيس الوزراء الياباني الأسبق ورئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد طوكيو 2020 “يوشيرو موري” البالغ من العمر 83، بتصريحات أثارت الجدل في أسابيعٍ خَلَت، حيثُ قالَ في مؤتمرٍ صحفيّ مع وسائلَ إعلام في الثالث من فبراير/شباط الماضي، حينَ سألته إحدى وسائل الإعلام عمّا إذا كان ينوي زيادة أعداد عضوات اللجنة الإناث، فردّ قائلًا: “المجالس التي تضمّ النساء تستغرق اجتماعاتها أوقات طويلة، فلدى النساء شعور عالٍ بالتنافسية، يشعرن أنهن يجب أن يرفعن أيديهن ويسألن إذا ما رفع أحدٌ يده وسأل، ولهذا يُثرثِر الكلّ ولن نستطيع إنهاء الاجتماع ما لم ننظم الوضع.”، أثارَ هذا التصريح، الذي عدّه البعض “تصريحًا ميسوجينيًا” (معاديًا للنساء)، الكثير من الهجوم، والقليل من التأييد.
“موري” يعتذر، وينفعل، ويرفض أن يستقيل
مباشرةً وفي اليوم التالي، الرابع من فبراير/شباط 2021، أبدى “موري” أسَفَه الشديد، وأعرب عن سحبه لتصريحاته واعتذاره عنها ووصفها بالتصريحات “غير المتسقة مع الروح الأولمبية والبارالمبية” ولكنه، وفي ذات الوقت، رفض أن يستقيل حيث انفعَلَ على صحفيّ سأله: “هل تنوي الاستقالة؟” ليردّ عليه موري غاضبًا: “أنت تسأل هذا السؤال لتجعل الموضوع مضحكًا! هاه؟” وعلّقت اللجنة الأولمبية الدولية على لسان رئيسها “توماس باخ” بأن اعتذار “موري” خطوة صحيحة، واعتبرت أنه بالاعتذار؛ انتهت المشكلة.
يوشيرو موري، رئيس لجنة تنظيم أولمبياد طوكيو، ورئيس الوزراء الأسبق – NHK World
موجة غضب وانتقادات.. وعرائض!
يبدو أن نسوياتِ اليابان لا يعتقدن كما تعتقد اللجنة الأولمبية الدولية بأن “الاعتذار حلّ المشكلة” حيث ضجّت وسائل التواصل والإعلام بالانتقادات والهجوم، لم يرضَ أحد باعتذار “موري” وطالبوا باستقالته، وأعدّوا عرائض تطالب وزيرة الدولة اليابانية لشؤون الأولمبياد، والمجلس التنفيذي للأولمبية اليابانية بإقالة “موري”، بل وطالبوا رعاة الأولمبياد بفسخ رعايتهم إن لم يُقِل الأولمبياد “موري”! واطّلعت أنمي ثيرابي على استطلاعٍ أجرته قناة “NHK” اليابانية الحكومية على 70 شركة راعية للأولمبياد، قالت أكثر من 35 شركة من الـ70 بأن التصريحات “مرفوضة، وغير مقبولة”، وأكدت 22 شركة منهن بأنهم تلقوا شكاوى واحتجاجات من العملاء والزبائن نظير التصريحات، تَفاقَم الوضع، وتطاولَت الانتقادات، وبدأ الأبطال الأولمبيون اليابانيون بمهاجمة “موري”، حيثُ قالت نجمة التنس اليابانية الشهيرة “نعومي أوساكا” لشبكة “NBC” الأميركية بأن التصريحات “تنمّ عن جهلٍ حقًا” وفي هذا السياق تحدثت وكالة “رويترز” وصحيفة “نيويورك تايمز” ووسائل إعلام غربية أخرى عمّا حصل. وعَلِمت مصادرُ صحفية بأن رئيس الوزراء الياباني “يوشيهيدي سوغا” طلبَ من مساعديه إجراء تقييم لحملة الغضب ضد “موري”، وخَلَص التقييم إلى أن الأخير لن يصمد أمام هذه الحملة الشديدة. وكنوعٍ من الاحتجاج؛ ارتدت بعض عضوات البرلمان الياباني عن حزب المعارضة، بدلاتٍ بيضاء مزيّنةٍ بزهورٍ بذات اللون، وتضامَنَ معهنّ رجالٌ بالبرلمان وحَمَلوا الزهورَ البيضاء أيضًا، ووقّع عشرات الآلاف على العرائض التي تطالب بإقالة “موري” وتعزيز المساواة بين الجنسين، وانسحب أكثر من 400 متطوع لتنظيم الأولمبياد من تطوعهم بعد أن رَفَض “موري” الاستقالة، وزادَ مسؤولٌ حكومي الطين بِلّة حين علّق على هذا بقوله: “سنجد بدلاء للـ400 الذين انسحبوا.. وربما كانت لديهم أسباب أخرى للانسحاب [وليس من أجل تصريحات موري].” إلّا أن توبيخ هذا المسؤول جاء من داخل الحكومة حيثُ ردّت عليه وزيرة الأولمبياد اليابانية قائلةً بأن تصريحات المسؤول “غير مناسبة” وأن عزوف الناس عن التطوع لتنظيم الأولمبياد مدعاةٌ للقلق. وتوتّرت الأوضاع أكثر حين رَفَضت عمدة مدينة طوكيو مقابلة “موري” في اجتماع لمسؤولي المدينة وقالت العمدة: “لا معنى للمحادثات عند وصول الأمر لهذا الحدّ.”، وبعد أن تزايدت الضغوط العالمية أصدرت اللجنة الأولمبية الدولية بيانًا إلحاقيًا ببيانها السابق وصَفَت فيه هذه التصريحات بـ “التصريحات المرفوضة وغير المقبولة.”
نائبات أحزاب المعارضة يرتدين ملابسَ بيضاء احتجاجًا على تصريحات “موري” – NHK World
موري ينحني للعاصفة؛ من سيخلفه؟
لم يكُن لموري من بدّ أمام هذه الجموع، حيثُ أعلَن في الـ12 من فبراير/شباط الماضي، وبعد أقل من 10 أيام على تصريحاته، عن استقالته. حيثُ قالَ في افتتاحية اجتماع المجلس التنفيذي للأولمبية اليابانية: “اعتبارًا من اليوم، سأستقيل من من منصب رئيس لجنة تنظيم الأولمبياد، فُهِمت تصريحاتي خطأ من بعض وسائل الإعلام، فأنا لست متحيزًا ضد النساء ولا معاديًا للمرأة.”، وأصدرت اللجنة الأولمبية الدولية بيانًا بعد الاستقالة، قالت فيما معناه أنها تُكِّن عميق الاحترام للقرار الذي اتخذه “موري”. لم يوضِح “موري” من سيخلفه، فتناقل بعض مدونيّ مواقع التواصل عن أن تعيين رئيس الوزراء السابق -المستقيل لظروف صحية- “شينزو آبي” خيارُ مطروح على الطاولة، وقالت تقارير صحفية أن “سابورو كاوابوتشي” رئيس اتحاد كرة القدم الياباني السابق، والبالغ من العمر 84 عامًا، هو الأوفر حظًا لخلافة “موري”، إلّا أن تعيين رجلٍ وثمانيني بهذا المنصب لن يُساهِم في جهود تخطي الأزمة، على حدّ وصف مواقع عالمية، لذا وقَعَ الاختيار على اللاعبة الأولمبية السابقة ووزيرة الدولة لشؤون الأولمبياد “سيكو هاشيموتو”، حيثَ أُعلِنَ عن تعيينها في مؤتمرٍ للمجلس التنفيذي، وصرّحت هاشيموتو في المؤتمر أنها وبحكم خلفيتها الرياضية فستسعى لـ”أولمبياد آمن، للرياضيين والمواطنين على حدٍ سواء”، حيثُ تواجِه الحكومة اليابانية انتقادات واسعة لقرارها المضي قدمًا بإقامة الأولمبياد رغم الظروف الصحية المتعلقة بفيروس كورونا “كوفيد-19″، ووفقًا لاستطلاعات متواترة فأكثر من 80% من اليابانيين يرفضون إقامة الأولمبياد في موعده المقرر حاليًا، بسبب خوفهم من تفشي الفيروس في البلاد.
عن الأولمبياد
هو دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2020 الذي سيقام في العاصمة اليابانية طوكيو، حيثُ فازت طوكيو قبل 8 أعوام بحقّ تنظيم الأولمبياد، وكان من المخطط أن يقامَ الأولمبياد بين 28 يوليو/تموز 2020 وحتى 8 أغسطس/آب من العام ذاته، إلّا أن تفشّي فيروس كورونا “كوفيد-19” مطلع العام الماضي أجبر المنظمين على تأجيله، حيث أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في بيانٍ مقتضب بيوم 24 مارس/آذار 2020، عن تأجيل الأولمبياد إلى زمنٍ آخر شرطَ ألّا يتجاوز نهاية عام 2021، وعلى أن تبقى علامته التجارية واسمهُ ثابتًا بسنة 2020. وبالفعل، حدّدت السلطات اليابانية بعد البيان بأيام، موعدًا جديدًا وهو 28 يوليو/تموز 2021 وحتى 8 أغسطس/آب من العام ذاته. وقبل أيام من كتابة المقال أعلَنت السلطات اليابانية عن أنها ستمنع حضور متفرجي وجماهير الأولمبياد القادمين من الخارج وستسمح للجماهير المحلية فقط بالحضور -وجدير بالذكر أن الاجتماع الأولمبي الذي أقرّ القرار، شكّلن النساء نسبة عالية منه-، إلّا أنه ورغم كل هذا، فلا يبدو أن الأمور تسير كما يخطط المسؤولون اليابانيون، ويشدّد “سيمون تشادويك” على هذه النقطة -وهو أكاديمي رياضي، ورئيس مركز الرياضة الأوروبية-الآسيوية في كليةٍ مقرها بفرنسا- حيثُ يقول لـ”فرانس برس”: “كان من المفترض أن يكون تنظيم اليابان لأولمبياد طوكيو فرصة لترويج اليابان التي تتغير وتتحول، إلى الخارج، وإصلاح صورة اليابان النمطية، وإبراز صورة أكثر حداثة لها” ويُكمِل: “إلّا أن ذلك لم يحصل، وحصل العكس وكانت هذه ضربة موجعة لليابان.. بدايةً بالوباء، مرورًا باستقالة رئيس الوزراء السابق “آبي” المُفاجِئة من منصبه بسبب ظروفه الصحية، وليس انتهاءً الآن بتصريحات واستقالة “موري”، لا أعتقد أن طوكيو قد تواجه وضعًا أسوأ مما تواجهه الآن.”
الحَلَقات الأولمبية في فناء المتحف الأولمبي الياباني بطوكيو – تشارلي تريبالو / فرانس برس.
عن المساواة بين الجنسين في اليابان
لا تعدّ اليابان دولةً مميزة أو حتى بمستويات جيدة إذا ما أتى الأمر للحديث عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين حيث تحتل النساء نسبة 15% من الوظائف والمناصب القيادية ويعانين من التهميش الوظيفي في بيئات العمل، وتصف قناة “NBC” الأميركية النُخَب اليابانية بـ”النخب المُحافِظة التي يهيمن عليها الذكور”. وعلّق “ناكانو كويتشي” أستاذ العلوم السياسية بجامعة صوفيا والتي يقع مقرّها بطوكيو، فقال لـ”NBC”: “رغم أن جيل الشباب أكثر تقدمًا اجتماعيًا وأكثر حساسية لقضايا المساواة بين الجنسين، إلا أن الممارسات الاجتماعية أبطأ في التغيير وتتخلف اليابان عن الركب، خاصة في غياب التمثيل النسائي في المناصب القيادية”، وأردَف: “هذا هو بالضبط سبب رفض الجمهور لتصريحات موري بشدة”
——————————————————————————————————————————————
المصادر: 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 .